على وقع القصف الذي لا ينقطع صوته كل لحظة، وعلى رائحة الموت المنبعثة من كل مكان، ومن على ركام البيوت المهدومة، ومن أزقة الشوارع الضيقة وأرصفتها الخطرة، ومن مخيمات النزوح ووسط الخيام يعيش أطفال غزة ميلاد جديد مُثقل بالويلات والمعاناة، ويحمل في جنباته كل معاني الأسى النفسي، والألم الجسدي وسط تلاشي حالة الأمل وحمايتهم التي باتت في مهب الريح. ولأن الألم يُولد الصبر ويبعث في كثير من الأحيان بارقة أمل بأن لحظة من السلام قادمة رغم قتامة وسوداوية الحال. وعلى وقع هذا المشهد الذي يحياه أطفال غزة كان لنا هذا اللقاء والمقابلة مع الطفلة الفلسطينية النازحة زينة حجازي.

د. محمد عوض شبير مع الطفلة الفلسطينيّة النازحة زينة عماد حجازي

 أهلا بكِ زينة في هذه المقابلة والتي أُجريها معك لنشرها عبر صفحات مجلة عهد (للعدد الثامن) الصادرة عن البيت العربي لتعلم الكبار والتنمية أنقل لك تحيات زملائي أعضاء هيئة تحرير المجلة.

في البداية زينة، هل لك أن تعرّفينا عنك أكثر؟

أنا الطفلة الفلسطينية زينة عماد عبد العزيز حجازي، أبلغ من العمر (10 سنوات) في الصف الخامس الأساسي من مدرسة بنات غزة الابتدائية في مستوى تحصيلي(ممتاز)، سكان محافظة غزة منطقة التفاح، أعيش في أسرة مكونة من (6) أفراد.

هل لك أن تطلعينا على رحلة معاناتك ورحلة النزوح لك كطفلة فلسطينية؟

أنا طفلة فلسطينية نازحة كحال كل الأطفال الفلسطينين الذين يعيشون في قطاع غزة بدأت رحلة النزوح لنا بعد أن اشتد القصف في محيط منزلنا، وبدأت الأحزمة النارية التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية، وصوت قذائف الدبابات، والاستهدافات للأحياء السكنية المجاورة لحارتنا حيث شعرنا بالخوف الشديد وبدأت علامات الارتباك والتوتر والخوف تظهر علينا حتى قررنا الخروج من منزلنا إلى منطقة أكثر أمناً للحفاظ على أرواحنا فذهبنا لمنطقة الصناعة التابعة لوكالة الغوث في غزة، ثم بعدها زاد الخطر فقررنا النزوح لبيت عمي في منطقة أخرى ومع تصاعد الاجتياح لكل المناطق قررنا الذهاب لمدينة رفح والآن أنا نازحة وأسرتي في مركز الإيواء هذا في مدينة رفح منذ ثلاثة أشهر.

كيف كان شعورك يا زينة عندما قررتم النزوح والخروج من المنزل؟

شعرت بالحزن الشديد (وزعلت كتيرررر) على تركنا لبيتنا وغرفتي التي تربيت فيها وصنعت فيها كل الذكريات الجميلة مع إخوتي وأمي وأبي، وزاد حزني عندما قررنا ترك مدينة غزة ولا نعلم متى سنعود إليها، وعدم استطاعتي رؤية صديقاتي وشم رائحة حارتنا، ورؤية سور مدرستي ولقاء معلماتي.

ما رأيك في موقف العالم من الانتهاكات التي يتعرض لها أطفال فلسطين؟

أنا لا أشعر أن دول العالم تهتم بنا كأطفال فلسطيين رغم أن العالم يرى كل الصور ويسمع كل صرخات الأطفال ومشاهد الحياة الصعبة والقاسية، ويرى الخيام التي يعيش بداخلها هؤلاء الأطفال وأتمنى أن يصحو ضمير هذا العالم ليساعدنا على إيقاف الحرب، وتعليم الأطفال وبناء بلادنا، وإعادة اعمار مدارسنا.

اتصل بنا

كيف تشعرين يا زينة بالأوضاع الخاصة بالطلبة والأطفال الفلسطينين؟

عندما أنظر لمعاناة الطلبة والأطفال الفلسطينين أشعر بهم وأحزن عليهم كثيراً لأنني جزء منهم أعيش المعاناة والألم كل لحظة وأشعر أن جيلنا الحالي لم يعيشوا طفولتهم بأمن وسلام نتيجة للحروب المتكررة، والاستهداف المتعمد للطفولة، ولم نرى سوى الجوع، والقصف، والقتل، والخوف، والتهجير وتم إجبارنا على النزوح لأنه لم يكن أمامنا أي خيار إما الموت أو النزوح رغم أنه من الصعب علينا أن نترك بيوتنا ومدننا وترك أحلامك وذكرياتك، وتم حرماننا من حقنا في التعليم ولم يعد لدينا مدارس حيث تم هدم وقصف وتدمير مدارسنا وتحول الآخر منها لمراكز لإيواء النازحين.

ماذا تعلمت يا زينة من الحرب الدروس التي خرجت منها في هذه التجربة الصعبة؟

تعلمت أن أقبل وأرضى بكل الأشياء دون تمرد وأن أحمد الله على كل شيء، وتعلمت أن التعاون والتضامن بين الأسرة الفلسطينية هي من كان يخفف عنا ألم الحرب، وتعرفت على مناطق وأصدقاء جدد وتعلمت أن أكون دوماً مبادرة في تقديم المساعدة للأخرين وخدمتهم مثل رجال الإسعاف، وتعلمت أن نتمسك بالأمل في كل الأوقات مهما كانت الحياة صعبة، والظروف مؤلمة.

كيف يبدأ يومك يا زينة في مركز النزوح؟

استيقظ مبكراً وأحياناً على وقع صوت طائرات الاستطلاع (الزنانة) التي لا تغادر سماء مدينة رفح وتزعجنا أثناء النوم فلا نعرف للنوم طعم، ثم نذهب لطابور المياه لجلبها لأسرتي وألعب أنا وصديقاتي في ساحة المدرسة والساحة المجاورة. وأحياناً تأتي بعض المؤسسات لعمل أنشطة ترفيهية لنا في المدرسة وأشارك فيها، الأيام كلها تشبه بعضها فلا جديد في يومنا سوى أخبار المعاناة وأعداد الشهداء التي تتزايد كل لحظة.

ماذا ترغبين أن تقومي بعمل لخدمة أطفال وطلاب فلسطين؟

أرغب بأن أكون صحفية أو متحدثة باللغة الإنجليزية لتوثيق صورة وصوت كل طفل فلسطيني يعاني من الجوع والبرد والحرمان من الأهل وفقدان حقه في التعليم بالمدارس وليس لديه مكان لائق يعيش فيه، وانقل التفاصيل اليومية للأطفال والطلبة التي كلها انتهاكات مروعة اعيشها بنفسي يومياً.

كيف ترين المستقبل من وجهة نظرك يا زينة؟

المستقبل حلو إن شاء الله بتأمل يكون في هدنة قريباً نشعر خلالها بالأمن والسلام ونرجع على بيوتنا، وتتعمر غزة ونقضي رمضان بحارتنا وبيتنا وشارعنا. ويسود المحبة والسلام كل العالم وتوقف كل الحروب في العالم وما يتم استهداف الأطفال في الحروب.

ما هي رسالتك يا زينة لمعلماتك؟

معلمتي استشهدت الله يرحمها والمعلمات الأخريات بحكيلهم وحشتوني كتير وانتظر نرجع لمدرستنا ونتعلم ونفرح مع معلماتنا.

ما هي رسالتك للمؤسسات الدولية والعالم؟

أطالبهم بحماية الأطفال الفلسطينين وحماية حقهم في التعليم وتوفير كل الاحتياجات التي تكفل لهم الحياة الآمنة ويساعدونا في إنهاء الحرب وعودتنا لبيوتنا.

ما هي رسالتك لأطفال العالم؟

بحكي إلهم انبسطوا بحياتكم واستمتعوا بوقتكم مع اصحابكم وبتمنى تكونوا صوتنا للعالم وتوصلوا معاناة أطفال وطلبة فلسطين حتى توقظوا ضمير هذا العالم.

ونفسي اعيش مثلكم وأطلع مع أصحابي ونفسنا حد يسمعنا دايماً ويشاركنا همنا وألمنا وقهرنا اليومي.

البيت العربي لتعلم الكبار والتنمية

ما هي رسالتك لصديقاتك؟

ان شاءالله بنرجع مع بعض في حارتنا وفي مدرستنا وبنطلع مع بعض في رحلاتنا المدرسية بعد ما تنتهي هالحرب الصعبة ونفرح بطفولتنا ونعيش لحظة سعادة بنصنعها بأيدينا نحن وكل أطفال فلسطين.

كيف ترين وضع التعليم بعد الحرب؟

حابة يرجع التعليم ونعود لمقاعدنا ومدرستنا واجتمع مع معلماتي وصديقاتي ونكمل عامنا الدراسي بفرح وتتعمر مدارسنا ونتلقى تعليمنا حتى في الحرب المهم أن لا يضيع وقتنا دون تعلم أشياء جديدة.

ما هي رسالتك للبيت العربي لتعلم الكبار والتنمية؟

بشكر البيت العربي لتعلم الكبار والتنمية على هذه الفرصة واهتمامهم بأطفال فلسطين ودفاعهم عن الحق في التعليم للجميع وحماية حق الكبار في التعليم والتعلم وبشكر جهودكم الراقية في خدمة التعلم في الوطن العربي وبثمن دورهم الإنساني لأنكم تعيدوا لنا الأمل كأطفال ومن خلال تعلّم/ تعليم الكبار.

ما هي رسالتك لمجلة عهد؟

انبسطت كتير على هذه الفرصة من خلال صفحات مجلة عهد وإنه صوتنا راح يطلع للعالم ويسمعونا، ويفهمونا، ويحسوا فينا عبر مجلة عهد إلى راح تكون صوتنا لهذا العالم. وتوصل معاناة أطفال وطلبة فلسطين.

ورسالتي لأسرة مجلة عهد استمروا في رفع صوت المقهورين وصوت التعليم في كل زمان وكل مكان.

مجلة عهد

ما هي توجيهاتك؟ رسالتك الأخيرة؟

أطالب العالم بأن ينتبه لأطفال فلسطين ويوفروا كل احتياجاتهم، ويعيدوا لنا بناء مدارسنا، ويحموا حقنا في التعليم، ويحموا الطلاب والمعلمين والمعلمات في كل الأوقات وخاصة وقت الحروب. وأتمنى أن يصل صوتي ورسائلي للجميع من خلال مجلة عهد ويكونوا صوتنا للعالم ونبني معهم الأمل للمستقبل التعليم التحويلي في تعلُّم الكبار وتعلُّمهم.

 


 

د. محمد عوض شبير

 دكتوراة في الإدارة التربوية ومعلم في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ومشرف تربوى غير متفرغ بجامعة الأقصى.
ناشط في الحملة العربية للتعليم للجميع وباحث متخصص في القضايا التعليمية والمجتمعيّة.